تسهم مبادرات الطاقة المتجددة القائمة حاليا في دول منطقة الشرق الأوسط في تعزيز دورها على مستوى دعم الجهود الدولية لمواجهة التغير المناخي.
خاصة أن المنطقة تعتبر من أكبر المساهمين في قطاع النفط والغاز عالميا، وفي الوقت ذاته مهدا لعدد من المبادرات والمشاريع الكبرى والطموحة التي تستهدف تعزيز الاعتماد على الطاقة النظيفة.
في الإمارات، يعتبر مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية أكبر موقع للطاقة الشمسية عالميا يعتمد على نموذج “آي بي بي”، ويتم بناء محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية كأكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم بطاقة إنتاجية تبلغ 2 غيغا واط.
وتعد “مدينة مصدر” أكثر المجتمعات الحضرية استدامة في العالم. ويلتزم صندوق أبوظبي للتنمية بتمويل مشاريع مبتكرة لتسريع الوصول للطاقة المستدامة كجزء من مبادرة مشتركة مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا).
وفي السعودية، أطلقت مدينة نيوم مؤخرا مشروع “ذا لاين” الرائد، المدينة غير المسبوقة عالميا التي تتفرّد بخلوّها من السيارات وبالتالي خلوها من الانبعاثات الكربونية واعتمادها بنسبة 100% على الطاقة المتجددة. وتقود جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، مشاريع للطاقة الخضراء؛ صُممت على إدارة تدوير المياه الرمادية، لإعادة استخدامها لأغراض ريّ النباتات وغيرها، وتمتلك الجامعة أيضا ألواحا كهروضوئية بمساحة كبيرة تنتج طاقة كهربائية نظيفة.
وفي مصر، تعتبر الطاقة الكهرومائية ثاني مصدر للطاقة بعد الطاقة الحرارية، ثم طاقة الرياح، ثم طاقة الشمس، ووضعت الدولة عددا من المشاريع المستقبلية التي تسعى من خلالها لاستغلال الطاقة الشمسية وإحلالها محل الطاقة غير المتجددة. ومن المشاريع الخضراء الأخرى في مصر مدينتا جبل الجلالة والعلمين.
ويعتبر مركز البحرين التجاري العالمي من الأمثلة الريادية في العالم في مجال الهندسة المعمارية المستدامة، ويحتل الصدارة في كونه أول ناطحة سحاب في العالم يدخل في تصميمها التوربينات الهوائية لتوفير إجمالي استهلاك الطاقة.
أما المغرب، فيشتهر بمصفوفاته الشمسية الضخمة والرائدة على مستوى العالم، وصنع لنفسه اسما كبيرا كدولة رائدة في مجال مكافحة تغير المناخ، وأصبحت الطاقة المتجددة تشكل ما يقرب من خمسي الطاقة الكهربائية في البلاد، وتنفذ الدولة بعضا من أكبر مشروعات الطاقة النظيفة في العالم.
كذلك، اتجه الأردن منذ عام 2012 نحو الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء ودفعت السياسات الحكومية المواطنين والمستثمرين نحو التوجه للطاقة المتجددة للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وذلك من خلال تقديم تسهيلات مالية للمستثمرين وتخفيض قيمة فاتورة الكهرباء.
وتسهم مبادرات الاستدامة في الدول العربية بشكل فاعل في بناء اقتصاد رقمي متنوع يحقق الرؤى الوطنية لهذه الدول، ومبادرة الاقتصاد الأخضر التي أطلقتها دولة الإمارات، ومبادرة السعودية الخضراء خير مثال على ذلك.
واليوم، يتنامى دور قطاع تقنية المعلومات والاتصالات في تحقيق الاستدامة من خلال التقنيات الحديثة كالجيل الخامس والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي التي ستلعب دورا جوهريا في تنفيذ مبادرات الطاقة النظيفة باعتبارها تعزز الإنتاجية وتحسن الكفاءة وتحد من التكاليف والنفايات وتقيّم نظم العمل وتحلل أساليب الهدر وتتبع المشاكل وتضع الحلول.
ويقول الاتحاد الدولي للاتصالات إن تقنية المعلومات والاتصالات ستسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وتحسين جودة الحياة.
وبحسب الأمم المتحدة، يمكن الاعتماد على تقنية المعلومات والاتصالات بطريقتين: الاعتماد على تقنية المعلومات والاتصالات النظيفة، وتوليد الطاقة النظيفة بالاعتماد على تقنية المعلومات والاتصالات.
وفي السيناريو الأول، يتم تصميم حلول تقنية المعلومات والاتصالات التي تسهم في تعزيز السلامة البيئية والحد من الكربون. أما في السيناريو الثاني، فتساعد حلول تقنية المعلومات والاتصالات كتلك المعتمدة في الشبكات والمباني والخدمات اللوجستية الذكية والعمليات الصناعية في تعزيز الاستدامة وكفاءة استهلاك الطاقة.
وحظيت جهود الاستدامة التي تبذلها الشركات التقنية بالتقدير على المستوى العالمي، وهواوي مثال للشركات التي قامت بتعديل أعمالها بالتماشي مع تحقيق أهداف الاستدامة، ونالت مؤخرا جائزة من الجمعية الدولية للهاتف المحمول لإسهاماتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة من خلال أجهزة الهاتف المحمول.
وتستهدف الشركة الاعتماد على التقنيات المبتكرة لدفع عجلة التنمية النظيفة ضمن مختلف القطاعات والصناعات، واستخدمت في عام 2021 في عملياتها أكثر من 300 مليون كيلو واط في الساعة من الكهرباء التي تم إنتاجها بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، بزيادة قدرها 42.3% مقارنة بعام 2020.
كما ساهمت حلول الطاقة الرقمية التي توفرها هواوي لعملائها في توليد 482.9 مليار كيلو واط في الساعة من الطاقة النظيفة، والحد من استهلاك الكهرباء بـ 14.2 مليار كيلو واط في الساعة، أي ما يعادل الحد من الانبعاثات الكربونية بـ 230 مليون طن.
وبالتوازي مع جهود العمل على تعزيز نهج الاستدامة بالتكنولوجيا، يجب ألا تغفل صناعة تقنية المعلومات والاتصالات عن مسألة تعزيز الأمان. ويجب أن يركز موفرو التكنولوجيا على حماية خصوصية المستخدم لدى عملهم على توفير تكنولوجيا واتصالات عصرية سلسة.
ومن المؤكد أنه لن نتمكن من تنمية الأعمال وضمان استدامتها إذا لم نوفر تقنيات آمنة يعتمد عليها لحماية الأمن السيبراني الذي يعتبر مسؤولية مشتركة لجميع الأطراف المعنية بالاستدامة.
ويمكن للفجوة الرقمية القائمة حاليا أن تعزل ملايين الأشخاص في شتى أنحاء العالم عن المساهمة في تنمية الاقتصاد النظيف. ويمكن للشركات التقنية أن تسهم في وضع التكنولوجيا في متناول الجميع بفضل قدراتها ومواردها التقنية.
ومن خلال مبادرات مثل TECH4ALL، اعتمدت هواوي على التقنيات الرقمية لتنفيذ برامج استهدفت تعزيز القدرات القيادية لأكثر من 110000 شخص في عام 2021. وقد تؤدي الفجوة الرقمية في مجال المواهب العالمية إلى تقويض جهود الاستدامة، لذا ينبغي التركيز بشكل أكبر على تدارك الأمر وإعطاء أولوية لتعزيز التعاون بين الشركات التقنية والمؤسسات الأكاديمية والحكومية من أجل ردم فجوة المهارات الرقمية.
ومن خلال الاستثمار ببرامج خاصة بإعداد الكوادر التقنية المحلية وصقل المهارات وتعزيز الخبرات العملية، يمكن بناء مزيد من جسور التعاون بين القطاعين العام والخاص لإعداد الجيل القيادي المستقبلي للاستدامة بمساعدة التكنولوجيا.
وفي هذا الإطار، أسست هواوي 163 أكاديمية لتقنية المعلومات والاتصالات في الشرق الأوسط. وشارك أكثر من 3500 طالب في برنامج بذور من أجل المستقبل العالمي، فيما نال أكثر من 37 ألف طالب شهادات معتمدة من هواوي.
كما وفرت الشركة التدريب لأكثر من 120000 موهبة من مواهب تقنية المعلومات والاتصالات في المنطقة الذين يتوقع أن يسهموا في دفع عجلة الاستدامة في دول المنطقة بالاستفادة القصوى من التكنولوجيا.
وفي ظل تزايد تحديات الحد من الانبعاثات الكربونية التي تواجه مختلف دول العالم، تقع على عاتقنا جميعا مسؤولية تعزيز سبل التعاون والعمل المشترك وتوحيد الجهود من أجل بناء مستقبل مستدام ومزدهر للأجيال القادمة.
بقلم: عمار طبا، نائب رئيس هواوي للعلاقات العامة والإعلام في منطقة الشرق الأوسط
Leave feedback about this
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.